ضمن إصدارات الهيئة اليمنية للكتاب صدر كتاب بعنوان «طب النفوس - فن الغناء الصنعاني» لمؤلفه الفرنسى جان لامبير المختص في دراسة شعر وموسيقى الغناء الصنعاني، وترجمه إلى العربية الدكتور على محمد زيد الباحث والمؤرخ اليمني.
يقع الكتاب في 250 صفحة من القطع المتوسط، وقسم الى اربعة اجزاء رئيسية، وكل جزء قسم بدوره الى عدد من الفصول تتناول في مجملها السياق الاجتماعي لمدينة صنعاء القديمة وعلاقته بفنون الشعر الحميني والموسيقى والإنشاد الديني، وارتباط ذلك بصورة وثيقة بعادة تعاطى القات اليومية التي يتحدث عنها الكتاب بلغة ادبية رفيعة.
ويتناول الكتاب ايضا اشكال التراث الشعري الغنائي المعروف بالشعر الحميني ومراحل تطوره المختلفة وعلاقته بمضامين الغناء وخصائص الموسيقى اللحنية والايقاعية. ويتطرق لما سماه تاريخاً طويلاً من الشك حول الموسيقى والغناء ومدى جوازهما، مشيرا الى إن تحريمهما السابق في اليمن نابع منظومة القيم الاجتماعية، وثنائية الشرف والعيب واللهو والحرام. ويتحدث المؤلف أيضاً، وبشكل مفصل ودقيق، عن التجربة الموسيقية وعلاقتها بما يعرف في اليمن بـ«طب النفوس».
ويقول المؤلف انه من المألوف في صنعاء عزف الموسيقى بعد الظهيرة في مقايل القات اليومية كنبات منشط وعنصر مفضل لتامين نجاح الجلسة. ويعد الغناء الصنعاني اللون المفضل الذي يقبل عليه متعاطو القات، ويعتبرون أنبل انواع الموسيقى، مشيراً إلى وجود علاقة متميزة بين المقيل والغناء الصنعاني، اذ يشتركان في الجو العاطفي الرقيق نفسه والمتسم بالشجن والأحاسيس المرهفة. ويطلق على هذا الموروث الثقافي طب النفوس، او دواء الروح. فالهدف المعلن للموسيقى هو رعاية موج النفس وتدفق الروح، لذلك يمكن المراهنة على ان الموسيقى عبر هذه العلاقة تساعد الانسان على معرفة مكان في العالم، وتمنح لوجوده معنى.
ويقول المؤلف: «لكن التدفق الموسيقى والتأمل العميق الناتج عن الهدوء والطمأنينة التي يوفرها القات لا يقطعه الا صوت أذان المغرب ليضع حدا لما يعده الكثيرون فى احتراز لهواً يصرف المؤمن عن الصلاة. وتبدو الموسيقى مصدر استفزاز، فقد منعتها السلطة الإمامية حتى وقت قريب ويتم التعامل معها اليوم بشيء من التساهل المدهش».
ويضيف قائلا: «ومن خلال معايشتي لمقايل القات لاحظت ان هناك ثابتا لا يتغير وهو الانزعاج من سماع الموسيقى وقت الأذان، حتى وان لم يذهب متعاطو القات لأداء الصلاة، لأنه يوجد نوعان من الحقائق الصوتية ينبغي ألا يتصادما، فهذا الاصطدام بين امتياز الموسيقى من جهة والشك الذي تقابل به من جهة اخرى، يدل على علاقة منطقية ولو على نمط متناقض، خاصة وقد ربطت القوة الشعورية للموسيقى فى التراث العربي الاسلامي كله بالجنس والخمر وحرمت مثلهما». ويستدرك المؤلف بالقول: «لكن يجب البحث المسبق في حقيقة مزدوجة لفهم هذه المشكلات فهما صحيحا لمعرفة المنظومة الجمالية الممثلة بالموسيقى اليمنية ومعرفة النظام الاجتماعي لمدينة صنعاء القديمة».
ويكتسب صوت الإنسان بعدا مركزيا في الكتاب من حيث هو بناء ثقافى جمالى يتجسد في الاتحاد الحميم بالآلة الموسيقية فيما يسمى بـ«طب النفوس». ويتصل على الاخص بهذة العلاقة بين الموسيقى والنص الشعري، ومعرفة كيف يمكن أن يكون للأشكال غير المنظومة من الموسيقى معنى يكتسب عدة أبعاد في هذه الثقافة. ويذكر الكتاب ان الموسيقى والغناء الشائعان في اليمن يرتبطان على نحو وثيق بالأنشطة الحياتية المتنوعة والمناسبات الاجتماعية تبعا لاختلافاتها بين الريف والمدينة، كم ان الجمال الموسيقى اليمني ينأى الى حد كبير عن مفهوم الفن للفن، وذلك لان هذه الثقافة لم تعرف، وحتى وقت قريب، مفهوم الموسيقى، بل ظلت ظاهرة عامة لا تنفصل عن الخطاب الشعري وعن الرقص ومدى تأثيرهما على المشاعر الانسانية.
وأورد الكتاب نماذج من نصوص الغناء الصنعاني التي تؤدى بألحان مختلفة، وصور فوتغرافية تبين حركات الراقصين على انغام هذ الالحان، واخرى للآلات الموسيقية التي اشتهرت بها صنعاء من أعواد ودفوف، كم يورد الكثير من الحكايات والطرائف التي تدور في مجالس الغناء وتعكس مدى ازدواجية النظرة للفنان، فلم يكن يسمح للموسيقي في صنعاء ان يؤم الناس في صلاة الجماعة، وحتى وقت قريب كان يتم تجنب الصلاة بجانب المغني، كما أن الموسيقيين لا يحجون إلا بعد ان يتقدم بهم العمر مهما كانت درجة تدينهم على عكس الآخرين.
prince of love
منقول