بقلم : حنان الكسواني
عمان - تجتمع ثنائية اليتم والإيدز لتحيل حياة ملاك ذات السنوات الست إلى جحيم ماتزال تجهل معناه، ولا تدرك ما يخبئه لها مستقبلا.
حتى الآن تلعب ملاك وتعيش طفولتها "الشقية" تحت وطأة أدوية لا تعرف
لماذا تتعاطاها، ولا تعلم أنها ستحيلها ضحية "وصمة مجتمعية" ستلاحقها طوال
عمرها.
بدأت قصة ملاك بعد ولادتها هي وشقيقها التوأم فريد، لكن مشيئة الله
حكمت بأن تصاب هي وينجو الشقيق الذي رفض أن يرضع من والدته، بحسب الطبيب
المشرف على حالة ملاك في قسم الأمراض المنقولة جنسيا في وزارة الصحة
الدكتور رجاء العزة.
لم تكن الوالدة تعلم أنها تنقل مع الحب والحنان الذي ترضعه لفلذة كبدها
فيروسا قاتلا هو مرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز"، حسبما أضاف العزة. وكم
هلعت الأم ودب الحزن ألما يسري في عروقها عندما علمت بأنها مصابة بمرض
"قاتل" نقلته إلى طفلتها من دون أن تدري.
كان الموت متربصا بالزوجين، والدي ملاك، وتوفي الاثنان قبل عدة شهور من
العام الحالي، وتركا توأميهما يتيمين بلا معيل، إلا من شقيقهما الأكبر
الذي يزيد عمره على العشرين عاما وهو يحاول تعويضهما عن حنان الأم ورعاية
الأب.
وملاك واحدة من بين أربعة أطفال تقل أعمارهم عن 14 عاما مصابين بالإيدز
ويتلقون العلاج في قسم الأمراض المنقولة جنسيا التابع لوزارة الصحة.
ويوضح الدكتور العزة أن المرض الفتاك انتقل إلى الأم من زوجها قبل أن يعلم بإصابته.
وتشير إحصائيات مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز للعام الماضي إلى أن
80% من السيدات المصابات بالإيدز انتقلت إليهن العدوى من أزواجهن.
وتتعدد قصص المصابين بالإيدز، لكنها تحمل دوما المعاناة نفسها: الخوف
من الموت، ونظرة المجتمع، وفقدان الحق بالعمل وأحيانا بالتعليم وبالرعاية
الصحية.
ومنذ بدء تسجيل الإصابات في المملكة في العام 1986 توفي 86 من بين 186
مصابا أردنيا، بحسب العزة. وكان آخر المتوفين شاب عمره 29 عاما وافاه
الأجل يوم الأربعاء الماضي بعد أن اكتشفت إصابته بالفيروس في مرحلة متأخرة.
ولا تقتصر طرق انتقال فيروس الإيدز على إقامة علاقات جنسية خارج إطار
الزوجية أو الحقن الملوثة، وخصوصا تلك المستخدمة في تعاطي المخدرات، بل
تتعداها لتشمل نقل دم ملوث بالفيروس، بحسب العزة الذي اعتبر الإيدز "مرضا
مزمنا يمكن التعايش معه مثل السكري وضغط الدم".
ويشارك الأردن اليوم دول العالم إحياءها اليوم العالمي للإيدز الذي
خصصته منظمة الصحة العالمية في اليوم الأول من شهر كانون الأول (ديسمبر)
من كل عام للتذكير بمخاطر المرض وسبل انتقاله وطرق الوقاية منه.
ويوضح ممثل المنظمة في عمان الدكتور هاشم الزين أن شعار هذا العام موجه
لجميع قادة الرأي العام في العالم وهو يحثهم على أن "يوفوا بالعهد ويوقفوا
الإيدز".
واختارت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والوكالة الأميركية للإنماء
الدولي محافظة إربد للاحتفال بيوم الإيدز، وفق الزين الذي أشار إلى ضرورة
نشر الوعي حول مخاطر المرض في جميع محافظات المملكة.
ورصدت وزارة الصحة 58 إصابة جديدة بالإيدز خلال هذا العام، في حين بلغ
العدد التراكمي للحالات منذ تسجيل أول إصابة في المملكة عام 1986 إلى 550
إصابة بين الأردنيين والوافدين من جنسيات مختلفة.
وشدد الزين على الدور الذي يحمله علماء ورجال الدين الإسلامي والمسيحي
في إزالة الوصمة المجتمعية عن مرضى الإيدز، لافتا إلى أن الأديان السماوية
حثت على العفة وحصر الممارسات الجنسية داخل نطاق الزوجية.
ويقول الزين إن الإصابات في معظم الدول العربية "متدنية" مقارنة مع
الدول الإفريقية والغربية. ويعود ذلك إلى تكثيف الحملات التوعوية بين
المواطنين، رغم غياب آلية خاصة للوصول إلى الفئات الأكثر خطورة في
المجتمع، مثل المتعاملين مع الجنس، والمثليين، ومتعاطي المخدرات.
وبناء على ذلك، طلب الزين من الحكومة الحرص على أن يظل الأردن بين
الدول ذات معدل الإصابات المنخفض بمرض نقص المناعة المكتسب وسط حديث عن
خطط لوقف التمويل الدولي المخصص لشراء الأدوية في البرنامج الوطني بحلول
العام 2009.
ووافقه في الرأي مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الدكتور بسام
الحجاوي، إلا أنه أوضح أن الحكومة ستجد الحلول المناسبة في حال رفع الدعم
المالي عن الأردن، مقترحا تخصيص مبالغ معينة ضمن موازنة الدولة السنوية
كأحد الحلول المستقبلية.
وكان الصندوق العالمي للإيدز والملاريا والتدرن قدم للأردن منحة مالية
وصلت قيمتها إلى نحو 3 ملايين دينار خلال العام الحالي، لدعم البرنامج
الوطني لمكافحة الإيدز خلال العامين المقبلين.
[b]وتقدم الوزارة العلاج الثلاثي للإيدز (مضادات الفيروس القهقرية) مجانا
لحوالي 45 مريضا من الأردنيين المصابين المسجلين لدى الوزارة، حسبما أضاف
الحجاوي.
[b]وأمام وطأة الإيدز تتربص بملاك حياة زاخرة بالمعاناة، على أن القائمين
على برامج مكافحة الإيدز يجهدون في سبيل بناء ثقافة مجتمعية تجيد فن
التعامل مع المرضى خصوصا وأن معظمهم ليسوا أصحاب خطايا.